وبات أسلوب النظام الجزائري في الإعلان عن مثل هذه الإقالات يرتكز على تسريبات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، عبر مصادر غير رسمية، قبل أن يتم تأكيدها رسميًا لاحقًا، خاصة عندما يتعلق الأمر بعزل جنرالات ورؤساء أجهزة الاستخبارات.
ويشهد قطاع الاستخبارات الجزائري، منذ خمس سنوات، حالة غير مسبوقة من التقلّبات، حيث تعاقب نحو خمسة عشر جنرالًا على قيادة أبرز ثلاث مصالح استخباراتية (DGSI، DGDSE، DCSA)، من بينهم سبعة جنرالات فقط على جهاز الاستخبارات الخارجية.
ويُعد كل من « ناصر الجن » و« حسان » من رموز العشرية السوداء، وقد عملا معًا داخل جهاز الاستخبارات السابق DRS، الذي ترأسه الجنرال توفيق بقبضة من حديد لأكثر من 25 عامًا.
إقرأ أيضا : حملات التطهير داخل الجيش بالجزائر لا تنتهي وتسقط قائد الدرك الوطني
ويبدو أن الجنرال توفيق لا يزال يمسك بخيوط اللعبة داخل السلطة الجزائرية من خلال رجاله، الذين يواصلون الظهور في مفاصل القرار، كما يؤكده عودة « حسان » للمشهد، بعد ظهوره المفاجئ في يناير 2022 خلال اجتماع المجلس الأعلى للأمن.
وقد تزامن ظهوره حينها مع عودة كل من « جبار مهنا » و« ناصر الجن« ، في ما فُسّر وقتها على أنه إعلان عن عودة قوية لما يُعرف بـ« عشيرة توفيق« ، التي أعيد تشكيلها بعد تفكيكها بين 2015 و2019، خلال حكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة ورئيس الأركان حينها الفريق أحمد قايد صالح.
وكان قايد صالح قد استغل الفشل الذريع الذي مُنيت به المخابرات الجزائرية في مواجهة الهجوم الإرهابي على منشأة عين أميناس الغازية عام 2013، كذريعة لإنهاء سطوة جهاز الـDRS، خاصة بعد العملية الدموية التي قادها « حسان » شخصيًا لتحرير الرهائن، والتي أسفرت عن مقتل عشرات منهم، بينهم أجانب، في عملية عسكرية وُصفت بالعشوائية وغير المهنية.
وبحسب شهادات سفراء سابقين لبريطانيا واليابان، فقد تسببت تلك العملية في انهيار صورة « الجيش الجزائري المحترف » وتحولها إلى نموذج للارتجال وانعدام الكفاءة. هذا الحادث كلّف « حسان » غاليًا، إذ أُوقف وسُجن بتهم تتعلق بنقل غير قانوني للأسلحة إلى جماعات إرهابية في مالي، وتسريب وثائق عسكرية سرية، ليُدان بخمس سنوات نافذة.
وقد خرج الجنرال توفيق عن صمته لأول مرة في ديسمبر 2015 ليدافع عن «حسان» في رسالة علنية، واصفًا الحكم عليه بـ«الخطأ الجسيم» الذي يجب تصحيحه.
في عام 2019، وجد توفيق و«حسان» نفسيهما في نفس الزنزانة بسجن البليدة العسكري، ولم يخرجا منها إلا بعد وفاة قايد صالح، ثم بعد الإطاحة الصادمة باللواء واسيني بوعزة، الرئيس الأسبق لجهاز DGSI، في 13 أبريل 2020، والذي أُدين لاحقًا وسُجن وتم تجريده من رتبته العسكرية.
وشكلت تلك الإطاحة بداية حملة تطهير واسعة طالت عشرات الجنرالات، بمن فيهم رؤساء مخابرات سابقون، أُقيلوا ثم أُودعوا السجن.
تجدر الإشارة إلى أن «ناصر الجن» كان الوحيد الذي شغل منصب رئيس DGSI دون تعيين رسمي، خلافًا لباقي التعيينات التي عادة ما يشرف عليها رئيس الأركان الفريق سعيد شنقريحة. وقد تولى المنصب عقب تدهور الحالة الصحية للجنرال كمال مجدوب كحيل، الذي عُين بدوره عام 2022 خلفًا لعبد الغني راشدي.
وقد تم اختيار «ناصر الجن» بعد أن طلب منه الرئيس عبد المجيد تبون، بصوت مرتجف كما روى شهود، خلال حفل تهنئة عيد الفطر 2024، أن يكون مستعدًا لتولي قيادة DGSI.
ويكشف هذا التغيير المتكرر برأس جهاز الاستخبارات عن عاملين رئيسيين في بنية النظام الجزائري: الأول هو غياب الكفاءات الجديدة واعتماد السلطة على «إعادة تدوير» الوجوه القديمة؛ والثاني هو اللااستقرار البنيوي داخل الأجهزة الاستخباراتية، وهو ما يعكس فشلًا في الأداء وانهيارًا واضحًا في الدبلوماسية الجزائرية، بات سمة مميزة لنظام الحكم في البلاد.