أثارت هذه الخطوة ردود فعل واسعة داخل جنوب إفريقيا، إذ أعلن الحزب بشكل رسمي، في وثيقة من 17 صفحة صادرة بتاريخ 9 يونيو، دعمه الصريح لمقترح الحكم الذاتي المغربي كـ« الحل الواقعي والوحيد الممكن » للنزاع الإقليمي حول الصحراء.
ويعتبر هذا الموقف قطيعة تامة مع الخط الرسمي لجنوب إفريقيا الذي اعترف بالجمهورية الانفصالية الوهمية (RASD) سنة 2004.
وثيقة للتقارب الشامل مع المغرب
وتحمل الوثيقة عنوانا دالا: «شراكة استراتيجية من أجل وحدة إفريقيا، التحرر الاقتصادي، والسلامة الترابية: المغرب». وتشكل هذه الوثيقة بيان نوايا من أجل بناء تقارب استراتيجي شامل بين جنوب إفريقيا والمغرب، مؤكدة أن تسوية ملف الصحراء يعد مدخلًا أساسيًا لهذا التقارب.
ويعتبر الحزب أن المبادرة المغربية تضمن « حكمًا ذاتيًا ذا مغزى للشعب الصحراوي »، مع الحفاظ على سيادة المغرب الكاملة على الإقليم، ما من شأنه وضع حد لمعاناة المنطقة وتحقيق الاستقرار فيها.
ويبرر الحزب هذا التحول بـ« السياق التاريخي والقانوني » الذي يؤيد الطرح المغربي، مبرزا أن « الصحراء الغربية كانت جزءا من المغرب قبل الاستعمار الإسباني أواخر القرن التاسع عشر »، وأن « انسحاب إسبانيا سنة 1975 خلّف فراغًا قانونيا، سعى المغرب إلى ملئه بشكل مشروع »، معتبرا أن المسيرة الخضراء كانت « عملا مشروعا لإنهاء الاستعمار ».
دعوة لشراكة إفريقية جديدة
وتستعرض الوثيقة القيم المشتركة والروابط التاريخية، مذكّرة بأن المغرب كان أول بلد إفريقي يقدم دعمًا عسكريًا لحركة « أومخونتو وي سيزوي » الذراع المسلح لحزب ANC في ستينيات القرن الماضي. كما أشارت إلى اللقاء الذي جمع الملك محمد السادس بالرئيس جاكوب زوما في أبيدجان سنة 2017، واعتبرته لحظة مفصلية في بناء علاقات جديدة بين البلدين.
وجاء في الوثيقة أن الوقت قد حان لبناء « شراكة إفريقية تخدم مصالح القارة »، مضيفة أن « التجزئة التي تغذيها قوى خارجية تُضعف إفريقيا، وأن تحالفا قويا بين المغرب وجنوب إفريقيا يمكن أن يشكل سدا منيعا في وجه هذه التدخلات ».
وتقترح الوثيقة خارطة طريق واضحة للتقارب بين البلدين، تشمل خمسة مجالات: التنسيق الدبلوماسي، مشاريع اقتصادية مشتركة، تعاون أمني، تبادل فكري، وتقارب ثقافي، مع التركيز على التعاون بين « أكبر قوتين صناعيتين في القارة »، في مجالات مثل الفلاحة، الطاقة، البنية التحتية، والتعليم.
هل تتغير مواقف الحزب الحاكم؟
حتى لحظة نشر الوثيقة، لم يصدر أي رد فعل رسمي من حزب المؤتمر الوطني الإفريقي (ANC) الحاكم إزاء الموقف الجديد لحزب زوما، إلا أن هذه الخطوة من المؤكد أنها ستُحدث نقاشًا داخليا كبيرا في جنوب إفريقيا حول العلاقات مع المغرب.
ويمثل هذا الموقف ثاني مبادرة إيجابية تجاه المغرب تصدر من جنوب إفريقيا في أقل من عام، حيث سبق لنائب رئيس لجنة العلاقات الدولية في حزب ANC، أوبيد بابيلا، أن زار الرباط في أكتوبر 2024 وأجرى محادثات مع وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة.
وتأتي هذه الخطوة أيضًا في سياق تحول إقليمي متسارع، إذ أصبحت دول كغانا وكينيا، وهما من أقوى البلدان الناطقة بالإنجليزية في إفريقيا، تدعم بشكل علني المبادرة المغربية، بالتوازي مع تحول كبير في موقف المملكة المتحدة، العضو الدائم في مجلس الأمن، والتي أصبحت تؤيد مخطط الحكم الذاتي المغربي كحل وحيد لهذا النزاع المزمن.
هل تكون جنوب إفريقيا هي التالية؟ الأمل أصبح مشروعا أكثر من أي وقت مضى.